وسط غياب الحلول.. التلوث يضرب شواطئ ليبيا ويهدد البيئة وصحة المواطنين
وسط غياب الحلول.. التلوث يضرب شواطئ ليبيا ويهدد البيئة وصحة المواطنين
ليبيا- إيمان بن عامر
تُعاني شواطئ ليبيا، التي تمتد لأكثر من 1900 كيلومتر على البحر الأبيض المتوسط، من تصاعد مستوى التلوث البيئي؛ ما يشكل تهديدًا خطيرًا للبيئة البحرية والاقتصاد المحلي، خصوصًا في ما يتعلق بالسياحة وصيد الأسماك.
وتتعدد أسباب التلوث، التي تشمل العوامل المحلية والدولية، مما يتطلب استجابة شاملة من جانب السلطات حتى لا يتفاقم الوضع ويتحول لكارثة بيئية تهدد صحة ملايين المواطنين.
تعتبر النفايات الصلبة، مثل البلاستيك والمعادن، من أبرز مسببات التلوث، حيث تُرمى هذه المواد على الشواطئ أو في مياه البحر، مما يسهم في التدهور البيئي، كما يُسجل تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة، التي تُعتبر عاملاً رئيسيًا، حيث تواصل هذه المياه التدفق إلى البحر منذ عقود دون معالجة مناسبة، في ظل غياب الحلول المستدامة.
جودة مياه البحر
وقال محمد البهلول الزويكي، الباحث ورئيس قسم الجودة والأمراض بمركز بحوث الأحياء البحرية، إن "التلوث يؤثر بشكل كبير على جودة مياه البحر، حيث توجد بكتيريا ممرضة نتيجة تصريف مياه المجاري غير المعالجة".
وأكد الزويكي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن "نسبة 100% من مياه المجاري تصب في البحر دون معالجة"، محذرًا من التأثيرات السلبية على صحة الأسماك والأشخاص الذين يستهلكونها.
وتابع الزويكي، قائلًا: "الفترة الصيفية تشهد زيادة في الحالات المرضية بالمستشفيات، خاصة من أمراض العيون والأذن وحساسية الجلد".
وأشار إلى أن "الجروح المصابة بالبكتيريا الموجودة في البحر تُشكل خطرًا على الأشخاص، خاصة أولئك الذين يعانون من ضعف المناعة".
ووفق الزويكي، فإن الأبحاث تؤكد أن عمليات نقل النفط عبر الموانئ البحرية تُعد من الأسباب الأخرى لتلوث الشواطئ، حيث تؤدي التسريبات الناتجة عن حوادث النقل أو عمليات التنقيب إلى نفوق الحياة البحرية.
وسلط الزويكي الضوء على التوسع العمراني في ليبيا، قائلا إنه أسهم في تدمير المناطق البيئية الطبيعية، ما يزيد من تعرض الشواطئ للتآكل.
أهمية حماية البيئة البحرية
وقالت أخصائية الجلدية، سميرة محمد الكوت، إن تلوث الشواطئ في ليبيا له تأثيره المباشر على صحة السكان المحليين الذين يعتمدون على الشواطئ سواء للترفيه أو الصيد، حيث يمكن أن يؤدي تلوث المياه إلى انتشار الأمراض المنقولة بالمياه مثل التسمم الغذائي والالتهابات الجلدية.
وأوضحت سميرة الكوت، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن التلوث المائي نوعان طبيعي وكيميائي، طبعاً التلوث الطبيعي هو الذي ينتج عنه تغير في درجة حرارة الماء وزيادة ملوحته كذلك المواد العالقة به، أما بالنسبة للتلوث الكيميائي فهو نتاج من تلوث المياه بصفة عامة بمياه الصرف الصحي(المجاري) والتسرب النفطي والمخلفات الزراعية مثل المبيدات الحشرية والمخصبات الزراعية، والمشكلة التي تواجه العالم بالعموم هي التخلص من مياه الصرف الصحي، وتعتبر مشكلة عامة لما لها من تبعات وأضرار على الصحة والاقتصاد بصفة عامة.
وأضافت، أن مياه المجاري التي تلوث مياه البحر تحتوي على عديد المواد العضوية وغير العضوية والمواد العضوية الدقيقة مثل الميكروبات الضارة والفطريات والبكتيريا والفيروسات، موضحة أنه الجرام الواحد من مخرجات جسم الإنسان (البول، البراز، العرق)، يحتوي على قرابة (10) مليون من الفيروسات ومليون من البكتيريا، بما فيهم من أنواع البكتيريا الضارة بصحة البشر مثل بكتيريا (الشقيلا) التي تسبب النزلات المعوية والإسهال وبكتيريا (شيشى كولاين) تسبب أيضا النزلات المعوية والجفاف خاصة عند الأطفال.
وقالت إن هناك أنواع من البكتيريا تسبب أمراض التهابات في الكلى والكبد والجهاز العصبي المركزي، كذلك بكتيريا الكوليرا والتي تسبب مرض الكوليرا، أيضاً المراض الجلدية من طفح وتسلخات وغيرها، وهذه الأمراض لها خطورة على جسم الإنسان، ناصحة بضرورة الابتعاد عن الشواطئ الملوثة والتقيد بالتعليمات التي تصدرها وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة، والتوجه للشواطئ والمصايف المسموح بالسباحة فيها وارتيادها، ويجب العمل على تكثيف التوعية للمواطن في هذا الجانب.
تحليل مياه البحر
من جانبه، أكد مدير عام الإدارة العامة لشؤون الإصحاح البيئي، إبراهيم بن دخيل، أهمية متابعة ورصد تلوث مياه البحر، قائلاً: "نقوم بتحليل مياه البحر خلال موسم الصيف لإعلان الشواطئ الصالحة للسباحة".
وأشار بن دخيل، في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، إلى أن "نسبة تلوث الشواطئ حاليًا تبلغ نحو 19%، مما يستدعي اتخاذ إجراءات للحد من المخاطر".
ويُبرز بن دخيل ضرورة صيانة محطات الصرف الصحي، مشددًا على أن "الخلل موجود في إدارة هذه المحطات، وأن الدولة يجب أن تلعب دورًا رئيسيًا في تصميم وتشغيل هذه المحطات".
آثار خطيرة للتلوث
وتحدث مدير الإدارة العامة لشؤون صيانة مرفق الصرف الصحي بالشركة العامة للمياه والصرف الصحي، المهندس خالد علي سعيد، عن دور الشركة المناط بها وهو تشغيل وصيانة محطات الصرف الصحي التي تم استلامها فيما سبق، قائلا نحن حالياً نتحدث عن منظومة الصرف الصحي على مستوى طرابلس الكبرى وهى مقسمة إلى ثلاثة أجزاء، (شرق ووسط و غرب) مدينة طرابلس، والمنظومة الوحيدة التي نفذت في ستينيات القرن الماضي هي وسط طرابلس المركز وكانت منظومة متكاملة ولكن هذه المنظومة تحتاج إلى التجديد والتطوير والتحسين، أما غرب وشرق مدينة طرابلس نفذت شبكات لتصريف مياه الصرف الصحي ومياه المطار ولكن لم تستكمل المنظومة حتى الآن، لهذا يجب أن تكون المنظومة متكاملة لتصريف مياه الصرف الصحي التي تضخ من الشبكة أو من المنازل إلى الشبكة العامة إلى محطات الضخ ثم إلى محطات المعالجة وبعدها تعالج المياه و تضخ للمشاريع الزراعية.
وأضاف "سعيد" في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه نظرا لعدم استكمال المنظومة والربط العشوائي من بعض المواطنين بالشبكة في غرب وشرق طرابلس تم تصريف مياه الشبكة القائمة للبحر نظراً لعدم وجود محطات معالجة لهذه المياه، أما وسط المدينة موجود منظومة متكاملة ولكن لتوقف المشروع الزراعي وخروج الشركات المنفذة المرحلة الثانية من مشروع الهضبة خارج البلاد أثناء أحداث 2011، والمشروع شبه توقف العمل فيه ونسبة الإنجاز لم تتجاوز 70%، شغلت الشركة بعض الأشياء ولكن هذه المشاريع لم يتم استلامها واحتمال تحتاج للتجديد والصيانة.
وقال إن مياه الصرف الصحي التي تذهب للبحر هذه نتيجة للأعمال الطارئة هناك خطوط طارئة نفذت لمحطات الضخ وهى تستخدم في حالة الصيانة والطوارئ يستخدم هذا الخط لتصريف مياه الصرف الصحي، وبما أن المنظومة غير مستكملة في شرق وغرب طرابلس، ولم تستكمل منذ الستينات وحدثت مشاكل عليها، تحتاج لتكاثف جميع مرافق الدولة سواء كان مصلحة التخطيط العمراني أو الإسكان والمرافق أو وزارة الموارد المائية، حتى يتم وضع صورة واضحة حول هذا الموضوع بالكامل وآلية وضع محطات المعالجة واستئناف المشاريع المتوقفة.
التأثير على الزراعة ومياه الشرب
يُشكل تصريف المياه الملوثة إلى الشواطئ تهديدًا للصحة العامة، حيث يتسبب في تسربها إلى التربة ويؤدي إلى تلوث المياه الجوفية التي تعتمد عليها المناطق المجاورة كمصدر رئيسي لمياه الشرب والزراعة.
في ظل هذا الوضع المقلق، يتعين على الجهات المعنية اتخاذ خطوات عاجلة للتصدي لهذا التحدي البيئي قبل تفاقمه.
تتطلب أزمة تلوث الشواطئ في ليبيا تضافر الجهود من الحكومة والمجتمع المدني، وضرورة إيلاء الاهتمام اللازم لتطوير البنية التحتية ومعالجة المياه، لضمان بيئة صحية ومستدامة للأجيال القادمة.